مقالات رئيس التحرير

المباحثات الأمريكية الإيرانية: تداعيات التخلي عن الحلفاء ومخاطره على العراق

في خضم التطورات السياسية المتسارعة، تبرز المباحثات الأمريكية الإيرانية كواحدة من أكثر الملفات تعقيداً وإثارة للجدل. هذه المفاوضات لا تقتصر على مسألة البرنامج النووي أو رفع العقوبات، بل تمتد إلى قلب التوازنات الإقليمية، حيث يصبح مصير الحلفاء ومستقبل الدول المرتبطة بهذا الصراع، وعلى رأسها العراق، موضع تساؤل وشك.

من الواضح أن إيران تواجه معضلة استراتيجية؛ فمن ناحية، هي بحاجة ماسة إلى رفع العقوبات الاقتصادية التي أنهكتها، ومن ناحية أخرى، لا يمكنها التخلي بسهولة عن حلفائها الذين تشكلت حولهم شبكة نفوذها الإقليمي. فالحلفاء ليسوا مجرد أدوات سياسية، بل هم جزء من منظومة أمنية وإستراتيجية تهدف إلى حماية المصالح الإيرانية في المنطقة. أي تراجع أو تراخٍ في دعمهم قد يُفقد إيران ورقة ضغط مهمة، لكن الاستمرار في دعمهم قد يعقد فرص الوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.

في هذا السياق، يجد العراق نفسه أمام تحدٍ مصيري. فموقعه الجيوسياسي وتركيبته الداخلية تجعله الأكثر تأثراً بتقلبات هذه العلاقة. لطالما كان العراق ساحة للتنافس بين طهران وواشنطن، سواء عبر الفصائل المسلحة أو التأثير السياسي. ولكن السؤال الأهم اليوم هو: هل سيُترك العراق رهينة لهذا الصراع مرة أخرى، أم أن هناك فرصة لتحويله إلى جسر للتواصل بدلاً من كونه ساحة للمواجهة؟

ثمة من يرى أن نجاح المفاوضات قد يفتح الباب أمام هدوء نسبي في العراق، حيث تتراجع حدة التوتر بين الفصائل الموالية لإيران وتلك المدعومة أمريكياً. كما أن رفع العقوبات عن إيران قد ينعكس إيجاباً على الاقتصاد العراقي، خاصة في مجال التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة. لكن في المقابل، فإن أي فشل في هذه المفاوضات قد يعني العودة إلى سياسة الوكالات والتصعيد غير المباشر، مما سيعيد العراق إلى دوامة العنف وعدم الاستقرار.

السيناريو الأسوأ هو أن تصل إيران إلى اتفاق مع الولايات المتحدة على حساب حلفائها، مما قد يخلق فراغاً أمنياً وسياسياً في العراق. فالفصائل التي تعتمد على الدعم الإيراني قد تجد نفسها في موقف ضعف، بينما قد تحاول قوى أخرى ملء هذا الفراغ، مما يزيد من حالة الانقسام ويهدد الاستقرار. لكن من غير المرجح أن تقدم إيران على مثل هذه الخطوة، لأنها تدرك أن التخلي الكامل عن حلفائها سيفقدها عنصراً حاسماً في معادلة نفوذها.

أما على المستوى الإقليمي، فإن هذه المفاوضات قد تؤدي إلى إعادة رسم التحالفات، ليس فقط بين إيران والولايات المتحدة، بل أيضاً بين اللاعبين الإقليميين والدوليين. فالدول التي شعرت بالتهميش خلال السنوات الماضية قد تسعى إلى لعب دور أكبر، في حين أن القوى الكبرى مثل روسيا والصين قد تحاول تعزيز وجودها في المنطقة كبديل للنفوذ الأمريكي أو الإيراني.

في النهاية، يبقى العراق هو الأكثر عرضة للتداعيات، سواء سلباً أو إيجاباً. ولكن الخطر الحقيقي يكمن في أن تستمر النخبة السياسية في التعامل مع هذه التحديات بانقساماتها الداخلية وتبعيتها للخارج. فالمطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو رؤية عراقية موحدة تعطي الأولوية للمصالح الوطنية فوق كل الاعتبارات. ليس المهم من سينتصر في هذه المفاوضات، بل المهم كيف يمكن للعراق أن يحمي نفسه من أن يكون ضحية لها.

إن الدرس الأهم الذي يجب استيعابه هو أن المنطقة تتغير، والتحالفات ليست أبدية. وإذا كان العراق يريد أن ينجو من العواصف القادمة، فعليه أن يبدأ بالاعتماد على نفسه، وأن يتحول من كونه ساحة للصراع إلى فاعل مستقل في معادلة المنطقة. فالتاريخ لا يرحم الضعفاء، والقوة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها هي قوة الدولة ومؤسساتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى