لقاء الدوحة: خطوة جريئة نحو إعادة رسم العلاقات العراقية السورية

الود نيوز : متابعات
في خطوة مفاجئة، ولكنها تحمل دلالات عميقة، التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برئيس المرحلة الانتقالية السوري أحمد الشرع في العاصمة القطرية الدوحة، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. اللقاء الذي كان يفترض أن يبقى طي الكتمان، تسرب عبر صورة انتشرت على نطاق واسع، مما أثار جدلاً سياسياً وإعلامياً حول دوافعه وانعكاساته على مستقبل العلاقات بين البلدين الجارين.
جاء هذا اللقاء في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية مهمة، تزامناً مع الاستعدادات للقمة العربية المقرر عقدها في بغداد شهر مايو / ايار المقبل. ومن الواضح أن الزيارة لم تكن عفوية، بل جاءت نتيجة جهود قطرية حثيثة لتقريب وجهات النظر بين بغداد ودمشق، في محاولة لطي صفحة من الخلافات التاريخية التي طالت عقوداً.
لكن لماذا التكتم؟ الإجابة تكمن في الحساسية السياسية التي تحيط بهذا الملف. فبالرغم من الرغبة السورية الملحة في التطبيع مع العراق، لا تزال هناك فصائل عراقية، سياسية وعسكرية، تعارض أي تقارب مع دمشق، نظراً للاتهامات التي تلاحق أحمد الشرع بدوره في الأحداث التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين عام 2003. هذه الحساسيات جعلت من زيارة السوداني إلى الدوحة محاولة لـ”جس النبض” قبل الإعلان عن أي تحول رسمي في سياسة العراق تجاه سوريا.
ان العلاقات بين العراق وسوريا لم تكن يوماً سهلة، حتى في ظل التشابه الأيديولوجي بين نظامي البعث في بغداد ودمشق. ففي ثمانينيات القرن الماضي، وقفت سوريا إلى جانب إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية، مما أدى إلى قطيعة دبلوماسية استمرت لسنوات. وبعد 2003، اتهمت الحكومات العراقية المتعاقبة دمشق بإيواء عناصر بعثية متورطة في العنف المسلح داخل العراق، مما زاد من تعقيد العلاقات بين الجارين.
لكن المنطقة اليوم ليست كما كانت قبل عقدين. فالتحديات المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب ومواجهة التهديدات الأمنية، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية المتشابكة، تفرض على البلدين إعادة النظر في علاقتهما. كما أن الحصار المفروض على سوريا دفع دمشق إلى البحث عن شركاء إقليميين يمكنهم مساعدتها في كسر عزلتها الدولية، والعراق، بموقعه الجغرافي وثقله السياسي، يبدو شريكاً لا يمكن تجاهله.
اللقاء الثلاثي في الدوحة لم يكن مجرد مصافحة عابرة، بل حمل بين طياته رسائل مهمة:
- للسوريين: أن العراق مستعد لفتح صفحة جديدة، شرط أن تلتزم دمشق بسياسات تصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي.
- للعراقيين: أن حكومة السوداني تعمل على تعزيز دور العراق كوسيط إقليمي، قادر على تجاوز الخلافات التاريخية.
- للإقليمية : أن التطبيع بين بغداد ودمشق قد يكون بوابة لإعادة إدماج سوريا في المحيط العربي.
لكن هذه الرسائل لم تلق ترحيباً في الداخل العراقي. فبينما يرى البعض أن التقارب مع سوريا ضرورة استراتيجية، يعتبره آخرون تنازلاً غير مبرر لدمشق، خاصة في ظل عدم تسويتها للملفات العالقة مع العراق، مثل ملف المعتقلين والمفقودين العراقيين في السجون السورية.
الخطوة التالية ستكون محورية. فإذا نجحت بغداد ودمشق في تحويل هذا اللقاء إلى سياسات ملموسة، فقد نشهد تحسناً في العلاقات الثنائية، يعود بالنفع على البلدين في مجالات الأمن والطاقة والتجارة. لكن الفشل في تحقيق تقدم ملموس قد يعيد العلاقات إلى نقطة الصفر، أو يزيد من حدتها، خاصة في ظل وجود لاعبين إقليميين ودوليين قد لا يكونون مستعدين لدعم هذا التقارب.
ختاماً، يبقى لقاء الدوحة خطوة جريئة، تعكس رغبة العراق في لعب دور إقليمي أكثر فاعلية، لكن نجاحها مرهون بقدرة الطرفين على تجاوز إرث الماضي وبناء ثقة متبادلة. فهل تكون هذه اللقاءات بداية لعهد جديد في العلاقات العراقية السورية؟ أم أنها مجرد محطة أخرى في مسار متعرج من الخلافات والتصالحات المؤقتة؟ الساحة السياسية في الأشهر المقبلة ستكشف الكثير من الإجابات.