أتحدّى شخصاً , رجلاً كان أم إمرأة, صغيراً كان أم كبيراً يستطيع أن يقف أمام هذا الجسد المنظومة دون أن يشعر بأنّه أمام كتلة من نار, نار لاتحرق بل قد تكون نار للشواء, أو للدفيء, أو لحرق اليابس, أو للإضاءة..للطريق..للكشف عن لمعة ترسم من دمعة الثكالى واليتامى, أو للتعبير عن شعور بالندم الكبير .., بأنّك أمام فنّان إصابعه من ذهب, وعقله من فكر ،وصوته نداء, وعيناه صورة وطموح وصدى.
رسّام حدود مساحة لوحته خشبة المسرح, وتتعدّاه لتكون مساحة الأرض. منادي صوته يغزو الفضاء باكيا أو شاكياأو مناديا ..أو مبشّرا . وحينما يصمت فتأكّد بأنّك أمام بركانا آن له أن ينفجر فأحذر والبس درعا كي تحمي نفسك, والاجدر والاحوط أن تفتح صدرك لهذا البركان لأنه بركانا جماليا سيزيدك بهجة وتعجّب وتساؤل وجودي .. ولا أعرف سرّا يعيق الجدار الذي يقف مابين خيّون والابداع طوال زمن دون أن يفتح ابوابه كي يدخل هذا العزيز برفقة خطابه الجمالي الذي اشتاق ويشتاق له القاصي والداني فنتلطّف به ونروي جزءا من ضمأنا, ولنستمع الى (تقاسيم على نغم النوى), أو نبحث في وديان الجمال, أو قد نجد ذلك (ساكنا في العوالي) وننادي كما نادى ذات مرّة ( يا أهل السطوح)..أو نجد ذلك متخفّي وواقف منتصبا خلف مطر الذي نستلطفه ونناشده ونتأسّف له, ونتعاطف معه, ونشكي ألمه..فنختصر كل هذا وغيره ونقول له(مطر يمّه) . وينزل المطر مدرارا كنهه الابداع واللون والرائحة النديّة التي تكشف عن كل ماتختزنه الارض من طيب ليس له مثيل. الرجل يستنطق الاشياء ويتساءل وينتصب واقفا كعادته دائما, فيعاكس اللاممكن ويجعله ممكنا حينما يحوّل كل شيء إلى غابة ويختار لنفسه قاربا من صنع اصابعه التي تنتمي الى عالم من العقل الحقيقي, ويجوب في هذا القارب عالمه الذي بناه لبنة لبنة, ويحوّل زمنه الى (ألف رحلة ورحلة), الألف إنتهت والرحلة الاخيرة سوف لن تنتهي وتبقى خالدة وهي ترفع العلم الذي (أبحر في العينين) وكأنها بحر ليس له حدود فهو (سرك المعاصر), أو اللامعاصر وهذا لايهمّه احيانا لأنه مؤمن ب(لو) السحرية التي تسأل وتجيب, تفترض وترفض, تكشف وتضمر, تضحك وتبكي في أبسط صورها, ذلك لان الضحك والبكاء عند عزيز خيون ليس فعلا انسانيا مكشوفا للرائي بل هو فلسفة مصنوعة من افتراضات وقوانين ارسطو وقيم واخلاق سقراط ومعاني ودلالات وثوابت افلاطون ..منهم انطلق ومازال يهفّي بيديه أن تعالو كي نجعل العالم اسطورة لوحة يتجوّل في ارجاءها فان كوخ, ويلوّنها فائق حسن وستار كاووش..,..
حدّثني مسرحيّ عن عزيز خيّون قليلا وتوقّف سألته لم توقّفت؟ قال ما الجديد؟
حدّثني مثقف عن عزيز خيّون وقال : أنا أشاهد جميع لقاءات عزيز خيون التي اسمع فيها كلمات وجمل ومفاهيم فلسفيّة كانت غائبة عنّي تماما لكن..ّ (يتوقّف) .. الجديد؟
وحتّى اجيبهم عن الجديد أقول: يريد عزيز خيّون أن يسمع كلماته من به صمم..يريد أن يرسم خارطة العراق بحجمها الحقيقي االازلي القديم بلونها الجديد وصوتها الاصيل ..يريد أن لايسمح للذكاء الاصطناعي بممارسة لعبته الذكية اللاإبداعية فتعبث بالخطوط والنقاط والمراكز والهوامش, وهو لا ينشد كلاسيكية الاشياء بل يهوى الجديد والتجديد شرط أن تأتي النقاط على مختلف الحروف فتغيّر من أشكالها ومعانيها بالرغم من ان النقاط نفسها والحروف مختلفة لكنّه احيانا يستطيع ان يلوي عنق الحرف ليجعل منه معنى ودلالة وقيمة جمالية, ويمكنه ان يجعل الجسد كتلة من العيون أو من الأيدي, أو الرؤوس والافواه لكنّها سوف لن تكون ابواق لمن يعبث بها , بل ابواق لمن يجيد العزف كي ترقص الحروف مبتهجة بالجديد البليغ الملتزم بالقيم وبالجمال وبالوطن..وعند عزيز الجمال كلّه في خدمة الوطن…