الصفحة الرئيسية مقالات رئيس التحرير وعود انتخابية على ورق.. بين الحلم والتضليل / حاتم عوده

وعود انتخابية على ورق.. بين الحلم والتضليل / حاتم عوده

كتبه edit
0 تعليقات

في كل موسم انتخابي، تتكرر ذات المسرحية السياسية: مرشحون يتسابقون على اطلاق الوعود، يتفننون في رسم مستقبل وردي، ويغدقون على الناخبين آمالا عريضة، بعضها يلامس الخيال، وبعضها يتجاوز صلاحياتهم الدستورية. وعود تكتب بعناية، تلقى بحماسة، وتروج بذكاء، لكنها في كثير من الاحيان لا تتجاوز كونها ادوات استمالة، لا نوايا حقيقية للتنفيذ.

الوعود الانتخابية، في جوهرها، ليست مشكلة بحد ذاتها. فهي تعبير عن رؤية المرشح وبرنامجه السياسي. لكن الاشكالية تبدأ حين تتحول هذه الوعود إلى شعارات فارغة، تستخدم كطعم انتخابي، دون دراسة واقعية او ادراك لحجم التحديات القانونية والمالية والادارية التي تحول دون تحقيقها. فكم من مرشح وعد بتوفير وظائف بالملايين، أو بناء الاف المدارس والمستشفيات، او خفض الضرائب بشكل جذري، وهو يعلم تماما أن هذه القرارات ليست من سلطته المباشرة، بل تتطلب موافقة البرلمان، أو ترتبط بميزانيات لا يملك التحكم بها.

الخطير في الأمر ليس فقط المبالغة، بل الكذب المتعمد. فبعض المرشحين يدركون تماما أن ما يعدون به غير قابل للتحقيق، ومع ذلك يصرون على تكراره، مستغلين حاجة الناس، أو جهلهم بالتفاصيل القانونية، أو حتى يأسهم من الواقع. وهنا يتحول الخطاب الانتخابي من أداة ديمقراطية إلى وسيلة تضليل، تزرع خيبة أمل مستقبلية، وتعمّق فجوة الثقة بين المواطن والسياسة.

ما يمكن تحقيقه من الوعود غالبا ما يكون مرتبطا بقدرة المرشح على بناء تحالفات، أو امتلاكه خطة تنفيذية واقعية، أو وجود إرادة سياسية حقيقية. أما ما لا يمكن تحقيقه، فهو ما يتجاوز صلاحياته، أو يتطلب تغييرات جذرية في بنية الدولة، أو يصطدم بعوائق اقتصادية كبرى. على سبيل المثال، لا يمكن لمرشح محلي أن يعد بتغيير السياسة الخارجية، أو تعديل الدستور، أو إلغاء ديون الدولة، فهذه قضايا تتجاوز موقعه وصلاحياته.

المطلوب اليوم ليس فقط مساءلة المرشحين بعد فوزهم، بل مساءلتهم قبل التصويت. على الإعلام أن يلعب دوره في تفنيد الوعود، وعلى المجتمع المدني أن يرفع مستوى الوعي السياسي، وعلى الناخب أن يسأل: هل هذا الوعد ممكن؟ هل هو من صلاحيات المرشح؟ هل توجد خطة واضحة لتنفيذه؟ فالديمقراطية لا تُبنى على التصفيق، بل على الفهم والمحاسبة.

في النهاية، الانتخابات ليست مسابقة في البلاغة، بل اختبار في الصدق والواقعية. والمرشح الذي يكذب ليكسب، يخسر لاحقا احترام الناس، ويضعف شرعية العملية الديمقراطية. فلنصغِ جيدا، ولنحاكم الوعود بالعقل لا بالعاطفة، فالمستقبل لا يبنى على الأحلام وحدها، بل على الحقائق والصدق.

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا

Subscribe my Newsletter for new blog posts, tips & new photos. Let's stay updated!

الود نيوز : جريدة الكترونية يومية .. 
سياسية اجتماعية ثقافية جامعة
- تصدر من بغداد

صاحب الامتياز : حاتم عوده – رئيس التحرير : شمخي جبر

جميع الحقوق محفوظة - الاراء ليس بالضرورة تعبر عنا 
Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00

Adblock Detected

Please support us by disabling your AdBlocker extension from your browsers for our website.